صورة اليوم

مسيرة سلمية تونسية تدخل الأراضي الليبية عبر رأس جدير ثم تعود

الإثنين 28 مارس 2011 - وكالة تونس افريقيا للانباء - استطاعت مجموعة من المتظاهرين من عدة جهات من البلاد حسب ما صرح به شهود عيان في اتصال هاتفي مع مراسلة الوكالة بمدنين الدخول يوم الأحد إلى الأراضي الليبية بعد اجتيازهم المعبر الحدودي برأس جدير رافعين علم ليبيا ومنددين بالتدخل الأجنبي فيها.

وقد خرجت هذه المسيرة من مدينة بن قردان التي تجمع فيها المتظاهرون القادمون من عدد من ولايات الجمهورية ليتجهوا نحو رأس جدير على متن سيارات خاصة قبل التوقف في المنفذ إلى حين تمكنهم من اجتياز المعبر ثم العودة بعد ذلك.

كما انتظمت في الآن نفسه مسيرة أخرى ببن قردان مساندة لثوار ليبيا ومنددة بما يقترفه القذافي من إجرام في حق شعبه ولكنها لم تصل إلى رأس جدير.

أما الحركية بمنفذ رأس جدير فقد ارتفع نسقها قليلا مقارنة بالأيام الأخيرة وخاصة في ما يتصل بجنسيات اللاجئين حيث لاحظت مراسلة الوكالة التونسية ارتفاعا في عدد المصريين والسودانيين.

وتتواصل من جهة أخرى احتجاجات اللاجئين بالمخيمات لمطالبة المجتمع الدولي بالتحرك العاجل قصد إعادتهم إلى أوطانهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم تسجيل وصول 3 مصابين بالرصاص في الأيام الماضية وحالتين يوم السبت لليبيين تعرضا للعنف . وقد تم نقل هؤلاء المصابين إلى مستشفى جرجيس.

فيديو: تونس بن علي روايات عن تعذيب وتآمر وضمائر مأجورة

كانت معاملة سيئة جداً. كانوا يتعرضون للضرب، يوضعون في عزلة، يتعرضون للتجويع ويكبلون. السجانون كانوا ينهالون عليهم ضربا بالعصي والهراوات". ليس هذا مشهد من سيناريو هوليوودي، وإنما شهادة شاهد من أهله: جلاد من عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، خلال وصفه كيفية التعامل مع معارضي النظام. لكن هناك في المقابل "إحساس غير عادي بتأنيب الضمير. تجد نفسك في وضع حيث يرتبط مستقبلك، خبز اولادك، بما تفعله. واذا لم تتخذ في حق المعارض اجراء صارماً، تصبح أنت في خطر. يتم صرفك ويأتي غيرك لكي يؤدي المهمة".

وليست عمليات الضرب والتجويع والتعذيب وحدها ما كان يتعرض له المعارضون. فقد كان المنتسبون الى حزب التجمع الحاكم "يعتبرون أنفسهم محصنين. يتصرفون كما لو أنهم أصحاب القرار". وحتى وإن فتحت تحقيقات في ممارساتهم، "كانت الملفات تغلق لمصلحة اتباع النظام". سجناء وسجانون، مناضلون ومرتشون، ضحايا وجلادون من حقبة بن علي، التقتهم "بي بي سي" فتحدثوا بلا قيود عن تجارب تتجاوز العقل، مسرحها القيروان، مدينة الفتوحات الاسلامية الشهيرة.

فإذا كان بن علي رحل، إلا انه ترك خلفه اسئلة كثيرة بلا اجابات، إلى أن تحدث أبناء القيروان، عن بعض ما عاشوه في مرحلة ما قبل التحرر من النظام السابق وما بعدها. جلادون لا يوفرون وسيلة للتعذيب، من كبس الاصابع بمكبس حديدي الى الايهام بالقتل.

وزير الدفاع الاميركي: الوضع في ليبيا يهدد بزعزعة استقرار تونس ومصر

الإثنين 28 مارس 2011 - الوكالة الفرنسية - أعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ان مقربين من العقيد معمر القذافي بدأوا «بالانشقاق» اثر تدخل التحالف الدولي في ليبيا.
وقالت كلينتون خلال برنامج تلفزيوني على شبكة «سي بي اس»، امس، «هناك العديد من الديبلوماسيين والقادة العسكريين في ليبيا الذين يغيرون موقفهم وينشقون لانهم يرون كيف سينتهي هذا الامر».
وقال وزير الدفاع في البرنامج نفسه، «لا تقللوا من اهمية احتمال انشقاق عناصر من النظام، عن الزعيم الليبي».
وأعلن غيتس، من ناحية ثانية، أن المواجهات بين نظام القذافي والمعارضة «يمكن ان تعرض للخطر الثورتين في تونس ومصر».
واعتبر ان أيام القذافي معدودة، وشدد على أن «الهجمات العسكرية بدأت فعلياً قبل أسبوع وتحديداً السبت ما قبل الماضي. ولو كنت مكانه لما علّقت أية صور جديدة».
واضاف: «كما شهدنا في السابق، فان أي تغيير لنظام هو امر معقد جدا وفي بعض الاحيان يستغرق الكثير من الوقت وفي احيان اخرى يمكن ان يحصل بسرعة. لكن ذلك لم يكن ابدا جزءا من هدفنا العسكري» في ليبيا.
واطاحة نظام صدام حسين خلال بضع اسابيع في العام 2003 لم يمنع الولايات المتحدة من الغرق في المستنقع العراقي في السنوات التي تلت ذلك. وفي افغانستان تستمر العمليات العسكرية بعد نحو عشر سنوات على الاطاحة بنظام «طالبان».
وقال غيتس في برنامج اخر على شبكة «سي بي اس»: «هذا هو الفرق بين مهمة عسكرية وهدف سياسي». واضاف: «في حملة عسكرية، احد الامور المهمة على ما اعتقد هو عدم تحديد هدف من غير الاكيد بلوغه».
وردا على اتهامات بالتسبب بمقتل مدنيين، اتهم غيتس، الاحد، قوات القذافي بنقل جثث لضحايا يسقطون في هجماتها الى المواقع التي تتعرض لضربات الائتلاف للايحاء بانهم ضحايا قصف الحلفاء.
وأكد أن طياري الولايات المتحدة وبقية الدول المشاركة يظهرون «حيطة قصوى» لتفادي سقوط مدنيين، لكنه اعترف في الوقت نفسه بان التحالف «يجد صعوبة في التحديد بدقة ما اذا كنا مسؤولين عن سقوط ضحايا مدنيين».
من ناحية ثانية، اشادت الولايات المتحدة بمبادرة الاتحاد الافريقي الذي نظم الجمعة في اديس ابابا، اجتماعا تشاوريا حول «خريطة طريق» لمحاولة انهاء الازمة، معتبرة ان «الاتحاد الافريقي يضطلع بدور مهم في حل الازمة الليبية».
وتدعو «خريطة الطريق» الى وقف فوري للاعمال الحربية واطلاق حوار تمهيدا «لعملية انتقالية» ديموقراطية.

قريبا: قناة تونسية خاصة بنشاط كل الأحزاب وبحملاتها الانتخابية

عبد الرزاق مقطوف - أفادنا الإعلامي التونسي "مراد السليمي" الذي عمل في الخليج وكان وراء استقدام مستثمرين من البحرين مختصين في مجال خدمات الإعلامية للعمل في قناة "سامي الفهري"
وفي الأثناء بدأت تلفزة "الفهري" تبث على الترددات التالية: 10949 عمودي على النيل سات. ويشاهد الجمهور الخليجي والعربي آخر حلقة من "الحق معاك" التي منعت من البث في تونس وحلقات "سفيان شو".
وتم الاختيار على هذا المنتج المنفذ كما يقول "مراد السليمي" نظرا إلى جمال الصورة التي تبثها التلفزة التونسية من خلال برامج كاكتوس والى كون هذه الشركة رائدة في مجال تكنولوجيا الاتصال وهي تشغل 240 تقنيا.
وأفادنا "مراد السليمي" أنه ينوي وحسب اتفاق مع المستثمرين بعث قناة تختص في تغطية انتخابات تونس وتعنى بنشاط كل الأحزاب وبحملاتها الانتخابية..وتوضح للناخبين طريقة الانتخاب..وتقدم لهم كل الأحزاب المشاركة وبرامجها.

محمد كريشان يقاضي صحيفة تونسية وطاقم الجزيرة يكذب أقوال سفير تونس بليبيا

نفى مصدر من قناة 'الجزيرة' أمس الأحد أن تكون هناك 'مؤشرات مؤكدة' تبشر فعلا بقرب الإفراج عن طاقم القناة المعتقل بليبيا، فيما رفع مذيع القناة محمد كريشان قضية ضد صحيفة تونسية مقربة من نظام الرئيس المخلوع متهما إياها بالتهجم عليه.
وفي تصريح مقتضب لصحيفة 'القدس العربي' الصادرة من لندن، قال الصحافي زياد طروش منتج نشرة 'الحصاد المغاربي' المسائية بقناة 'الجزيرة' إن أفراد طاقم القناة بتونس لم يتلقوا أي مؤشرات مؤكدة على قرب الإفراج عن موفدي 'الجزيرة' المعتقلين بليبيا.
وكانت كتائب العقيد معمر القذافي قد اعتقلت طاقم لقناة 'الجزيرة' الأسبوع الماضي يضم الصحافيَين لطفي المسعودي وأحمد ولد فال والمصورَين عمار الحمدان وكامل التلوع.
وفي وقت لاحق كان صلاح الدين الجمالي سفير تونس بليبيا قد أعرب عن تقدم المفاوضات بين الجانبين التونسي والليبي بشأن الإفراج عن أفراد الطاقم، ذاكرا أن 'إطلاق سراحهما سيتحقق بين ساعة وأخرى'.
وتشتكي جهات عديدة مساندة لعائلات الزملاء الأربعة المعتقلين بليبيا من طول المدة التي انقضت بعد تبشير السفير التونسي باقتراب موعد الإفراج عن المعتقلين.
من جهته أعلن مذيع نشرات أخبار قناة 'الجزيرة'، محمد كريشان، أنه رفع دعوى قضائية ضد صحيفة 'الحدث' التونسية متهما إياها بالتهجم على شخصه وثلبه.
وقال شوقي الطبيب، محامي كريشان في تونس أمس الأحد إن موكله طلب منه رفع دعوى ضد صحيفة 'الحدث' ومديرها عبد العزيز الجريدي على خلفية تعرضه للثلب على أعمدة الصحيفة.
وأضاف الطيب 'لقد رفعنا الدعوى منذ 24 مارس الجاري وحصلنا على رقم تسجيل لها بالمحكمة الإبتدائية بتونس العاصمة تحت عدد 511/2011'.
وأوضح أن المقال موضوع الدعوى المنشور بالصحيفة صدر بعددها ليوم 7 كانون الثاني/يناير الماضي، متضمنا ما اعتبره كريشان نيلا من كرامته وثلبا لشخصه على خلفية عمله بقناة 'الجزيرة' وتمسكه باستقلاليته كصحافي.
وتتهم المعارضة التونسية صحف 'الحدث' و'الشروق' و'الإعلان' وغيرها من الصحف التي مازالت تصدر بعد الثورة في تونس، بولائها الشديد لنظام الرئيس المخلوع وتهجمها على معارضين فيما كان القضاء قبل فرار بن علي لا يقبل الدعاوى المرفوعة ضد أصحاب هذه الصحف. وكان صحافيون بعد الثورة في تونس طالبوا بتأميم وسائل إعلام بينها صحف وقنوات كانت مملوكة إما لأصهار الرئيس المخلوع أو لمقربين منه. من جهة أخرى، اشتكى صحافي تونسي من تعرض مقالين له للرقابة بالصحيفة التي يعمل بها.
وقال عبد المجيد الحواشي الصحافي بصحيفة 'رياليتي' الأسبوعية الناطقة بالفرنسية إن مدير الصحيفة الطيب الزهار منع مقالين له كتبتهما ناقدا أداء الوزير الأول المؤقت الباجي قايد السبسي.
وأضاف الحواشي: 'لقد دعاني المدير بعد ذلك إلى الإستقالة من الصحيفة والعودة إلى العمل بالتعليم'. وقال 'إنني أرفض الإستقالة وأعتبر طلبها محاولة للتضييق على حقي في التعبير'. وأعرب عن خيبة أمله من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي اعتبرها 'متكتمة على الانحرافات في الإعلام التونسي بعد الثورة'.
واتهم الجواشي نقابته بما وصفه بـ'الصمت على الممارسات' في قطاع الإعلام التونسي وبينها ما يجري في قناة 'نسمة' الفضائية، كما قال، منوها الى أن النقابة 'صمتت على استمرار الوجه المعروف بولائه للرئيس المخلوع، فتحي الهويدي، لمهامه على رأس هذه القناة وهو أمر غير مقبول'، بحسب تعبيره .
وكان صحافيون تونسيون اتهموا نقابتهم بـ'عقد اتفاق مع الحكومة المؤقتة انسحبت بموجبه من مجلس حماية الثورة المستقل في مقابل تعيين أحد قيادييها (أي النقابة) مديرا لصحيفة 'الصحافة' اليومية الحكومية'.

القضاء التونسي يقر بحل التجمع الدستوري الديموقراطي نهائيا

الإثنين 28 مارس 2011 - وكالة تونس افريقيا للانباء - رفضت محكمة الاستئناف بالعاصمة يوم الاثنين دعوى الاستئناف الذي تقدمت بهاهيئة الدفاع عن التجمع الدستوري الديمقراطي شكلا، وذلك وفق ما صرح به الأستاذ فوزي بن مراد النائب عن وزير الداخلية.

الباجي قايد السبسي يوجه رسالة إلى الشعب التونسي من خلال جريدة الشروق

حاورته : فاطمة بن عبد الله الكراي - ساعة وخمس وثلاثون دقيقة، هي فترة الحوار الشامل الذي خصّ به السيد الباجي قائد السبسي «الشروق»... قوام هذه الدقائق الخمس والتسعين، قرابة العشرين سؤالا، جاءت متنوّعة... ومتعددة من حيث المواضيع والقضايا التي وضعتها أمام «سي الباجي» قايد السبسي...
مررت من ساحة القصبة التي كانت الى حدود يوم 27 نوفمبر مسرحا للفعل السياسي الشعبي... خيام متراصة ومصففة... وحلقات نقاش تتم ليل نهار، على مرمى من أنظار وحدات الجيش الوطني... لكن الوزارات المحيطة والمطلة «بـ» و«على» الساحة كانت خاوية من وزرائها...
أين تلك الشعارات التي خطّها المعتصمون على جدران الوزارات التي شيّدتها الدولة الحفصية في منتصف القرن السادس عشر؟
لا أثر لها... فقد كساها الطلاء الابيض الناصع، وأبى «المسؤولون» وقتها أن لا يتركوا ولا أثرا واحدا، يحمل شعارات وطنية، كان يمكن ان تمثّل لاحقا مزارا سياحيا ممتازا... فيه خط للتاريخ...
المهم لم يكن «سي الباجي» قايد السبسي ولا حكومته، مسؤولين على هذا الطلاء الابيض الذي أخفى شعارات المعتصمين، الى غير رجعة... وهو طلاء لن ينقص في شيء من شعارات الثورة... فهي في النفوس والعقول ساكنة، ألم يقل المعتصمون إن عدتُم عدنا.
في مكتبه، مكتب الوزارة الاولى، استقبلني صباح أمس، صاحب النكتة أو الملحة السياسية وصاحب الفكر السياسي وصاحب الموقف السياسي الذي يبتعد بصاحبه ما إن تأبّطه عن صنف «الرّخويات» من الساسة العرب...
من زمان عرف الباجي قائد السبسي بحنكته السياسية... وسعة ثقافته... وقوته في الاستماع الى الآخر...
لا يعتمد الصوت العالي او المشاكس... يتأنى في ردّ الفعل...
تجد نفسك حتى وإن اختلفت معه سياسيا او فكريا، مجبرا على الاستماع اليه.. الى وجهة نظره.. لتختم الحصة التي جمعتك به بمسحة احترام... للرجل.
واثق من نفسه.. وهو يأتي فعلا سياسيا، في واقع غير الواقع الذي تربّى عليه منذ أكثر من ستين عاما...
وسط تحديات مختلفة... وشروط أشد اختلافا... لكنه يفاجئك أن له اجابة على كل ما تطرح... وحلاّ لكل ما يطرح من مشاكل... عملا بمبدإ : لكل مشكل حلّ... ولكل مسار مهما تشعّب، منفذ...
آثر أن يعود بـ«الحكومة المؤقتة» من قرطاج الى القصبة... مكانها الطبيعي...
بصدره الرحب الذي لم يتغيّر تقبّل كل الأسئلة... حتى تلك التي فيها نقد... او «مؤاخذة»...
تحدّث «قايد السبسي» عن المحاسبة وعن هيئة الاصلاح السياسي وتحقيق أهداف الثورة... وعن الثورة... وحكم الضيم الذي كان سائدا.
فإلى هذا اللقاء الذي ننفرد به فهو أول لقاء شامل يخص به الباجي قايد السبسي وسيلة اعلام تونسية وهو «رئيس وزراء»...
تقبّل سؤال الأول، وهو بين مقطّب.. ومستمع... تارة يقرن يديه ليشبّك أصابعه العشرة، وطورا يضع رجلا على أخرى، ليجيب عن السؤال... من سؤال الى آخر، بدا «سي الباجي» قائد السبسي، رجل دولة من الطراز الكبير... ذاك الذي لا تسمح له أخلاقه السياسية ان يطلب منك اعلامه بالأسئلة سلفا... فهو كما عهدته دوما... لم يغيّر «الكرسي» من طباعه شيئا...
معالي الوزير الاول المؤقت، ولجت القصبة وتحديدا الوزارة الاولى منذ شهر تقريبا، وقد حاولت ان تخاطب التونسيين منذ البداية بما يلي: هذه حكومة وقتية أحاول أن أسيّر الأمور الحياتية والتعامل مع المستجد، فهل فعلا مازلت قيد هذا الحدّ في الحكم الآن؟
ـ أولا هذه الحكومة لم يبلغ عمرها الشهر... فالمباشرة لم تبدأ الا بعد تشكيل الحكومة... وأول قرار اتخذناه، ان يكون مقر الحكومة هو مكانها الطبيعي هنا في القصبة... والقصبة كانت مشغولة، بها مواطنون تونسيون نصبوا خيامهم... وكنت فخورا في الحقيقة، فخر فعليّ، حين أخذت الكلمة وتوجهت الى الشعب التونسي فتفرّق الاعتصام (عُلّق) بدون طلب ولا تدخل أمني ولا عسكري... وقع رفع الاعتصام والخيام، وكل رجع الى مقره الطبيعي... أنا أفهم الرسالة قبل ان تُبلّغ اليّ عبر المكاتيب وغيرها... كانت الرسالة التي وصلتني من هكذا تصرّف، كالتالي: «نحن توسّمنا فيك الخير... فلا تخّيب آمالنا» وهذا ما أواصل السعي اليه حتى نكون عند حسن الظن وأن نقوم بما تقتضيه الأمانة التي أُنيطت بعهدتنا... وعلى هذا الأساس اعتقد ان الرسالة وصلت...
أنت نتاج «القصبة» (1) و«القصبة» (2) هذا لا ريب فيه... ولكن ماذا فعلت للشعب التونسي الذي يتحدّث العديدون في صفوفه ان ثورتهم بدأت تعرف نماذج من «الغدر» او لنقُل نوعا من الالتفاف... خاصة في ما يهم سياسة «وضع القدم» من بعض أصحاب المال والنفوذ في المشهد السياسي؟ ماذا تفعل لو كنت تعلم بذلك لتفادي هذا الامر الذي عانى منه الشعب التونسي مع النظامين السابقين؟
ـ أنا اذا قبلت بهذه المهمة لم يكن ذلك استجابة لـ«القصبة واحد» او لـ«القصبة 2» او غيرها.. كان ذلك استجابة لواجبي تجاه الوطن... واستجابة لضميري فقط... وكما سبق لي وأن قلت فأنا اعتبرها أمانة في عنقي منذ زمن الكفاح الوطني... المناضلون الذين استشهدوا في المعركة الحاسمة... أنا وجيلي الذين عايشناهم... لا يمكن ان يكون قبولي بهذه المهمة سوى انطلاق من الوفاء لكل تلك المبادئ التي نحملها... والتي لا تربط خدمتنا للوطن بمرحلة معينة... وجدت نفسي مستعدا لتلبية نداء الواجب تجاه وطني وهذه المهمة التي أنطيت بعهدتي لا تندرج الا في هذا المسار...
اعتقد ان الثورة في تونس هي ثورة شعبية وأصيلة (من كل بقاع البلاد) انطلق بها الشباب بدون تأطير ولا زعامة، فهذه الثورة ليست مدينة لأحد... لهذا اعتبر وأنه من واجب كل تونسي أن يصون هذا الثورة ومكاسبها، ويسعى حتى تتجنب المزالق التي تستهدف ـ في الحقيقة ـ كل الثورات... ثورتنا وحيدة وفريدة في التاريخ، لأن تأثيرها تجاوز الحدود دون أن تكون مؤهلة للتصدير أو أنها نوت ذلك... هذه الثورة ككل الثورات، لا يعني قيامها أن تؤول بالضرورة الى الديمقراطية... نعم، ممكن أن تنزلق إذا لفّها والتفّ عليها من يصطادون في الماء العكر... نحن نحاول أن نسير نحو الطريق الصحيح..
٭ هل لك أن تبيّن لنا ذلك؟ كيف يمكن النأي بالثورة التونسية من «الغدر» و«الالتفاف»؟
ـ هكذا أرى الأمور... العمل الدائم وفق منطق ومبدإ الشفافية، وأن نكون يقظين ومتحفّزين لأي التفاف أو ما شابهه..
٭ الباجي قائد السبسي عُمُرا وتجربة سياسية، كان محل استبشار من الشعب الثائر، فقد كان الجميع بحاجة ـ في توقيت ما ـ الى حنكة سياسية تعدّل البوصلة في الاتجاه الصحيح... أنت، وقد عرفت كيف تخاطب هذا الشعب الثائر والمحتجّ، حينما بسطت أياديك النظيفة، هل يعني ذلك انك لن تستغلّ منصبك او أنك لن تدع أحدا يجعلك تستغل منصبك هذا لكي تمضي بصفتك هذه، على بعض أو مثل ما أمكن لأسلافك في هذا المنصب ان يوقّعوا ويمضوا عليه، وأقصد التفويت وإعطاء او إسداء الصفقات العمومية بما لا يتلاءم مع القانون ومصلحة البلاد، أم أن القانون أصلا لا يسمح لك بذلك، اي التحرّك في هذا المجال؟
ـ يضحك «سي الباجي» ثم يقول: «القانون، وأي قانون هو بطبعه لا يسمح بالتجاوزات... وهنا القضية ليست قضية قانون يسمح أو لا يسمح... الذين سبقونا سمحوا لأنفسهم خرق القانون وخرق الأخلاق... فهناك أزمة أخلاقية في طريقة ممارسة السلطة...
شخصيا لم آت الى هنا لتلميع صورتي، بل من أجل ارجاع النضارة الى تونس... نضارة جعلت بلادنا رافعة للقيم...
أنا أقول جملة واحدة: التاريخ بيننا... أنا أطلب ان أُساءل يوم خروجي من الوزارة... أطالب بأن أُساءل يوم أغادر الحكم... كل المشكل في ما ذكرته، او أوحى به سؤالك، من فساد وخرق للقانون، هو في عدم المساءلة...
لكن أرجع وأقول إنه كل من له ضمير، يكون ضميره هو الرقيب.. أقول هذا لا لأمر يخصّني بل ما يخصّ كل الحكومة... فالشفافية في العمل ونظافة اليد في التصرف هي الشعار الأساسي... وأقول: كفى تونس فسادا... فما وقع فيه الكفاية... وإن شاء الله لا رجعة في ذلك..
٭ الشعب التونسي متميّز بذكائه وسعة معرفته وحصوله على المعلومة، والآن تعجّ المواقع الاجتماعية (فايس بوك) بالأخبار عن الحكومة وعن الرئاسة وعن الوزارة، فلماذا لا نرى بثّا لمداولات مجلس الوزراء مثلا او بعض المداولات التي تقع في صلب «هيئة الاصلاح السياسي وتحقيق أهداف الثورة» حتى تقطعوا من جهة مع ممارسات عرفناها في عهدي بورقيبة وبن علي، فيها حجب للمعلومة وغربلة للإخفاء عن الناس ما ينفع الناس؟
ـ الحكومة مازالت أشغالها في البداية... ليس لها وقت بعيد في التجالس، ونحن قمنا بمجلس وزاري واحد... منذ تشكيلها وصدور المرسوم المنظّم لعملها (منتصف مارس) أنا أقول فأجيب كالتالي: أعطونا الوقت ونحن سوف نعمل على هذا الأساس... فهذا الأمر يعني الشفافية في التعامل مع الشعب، والعمل الحكومي والشأن العام، يجب أن يكون معلوما من الجميع، ودور الصحافة والإعلام دور كبير في إيصال المعلومة .. .وهذا سوف يأتي.
٭ هل أنت متفائل في هذا الباب؟
ـ تماما... أنا متفائل لأنني أعني ما أقول...
٭ في مجال الإعلام، وقد آثرت الحديث عنه من حيث مهمّاته، حصل وأن أقرّت لجنة لإصلاح الإعلام، عليها الكثير من النقد من حيث التركيبة وطريقة التعيين والمهام... شخصيا والكثير من الاعلاميين يوافقون هذا الرأي، لا نعتقد ان دورها سيكون إيجابيا، لأنها معيّنة من جهة معيّنة وهي لا تعكس التنوّع الفكري والسياسي والإعلامي المطلوب؟
ـ هذه اللجنة تكوّنت قبل هذه الحكومة... وهي تكوّنت لتقدّم أعمالها.. وعندها نحكم عليها... بالنتائج... كل شيء قابل للاصلاح وللمراجعة... لا أحد منّا معصوم من الخطإ لا في الحكومة السابقة ولا في الحكومة الحالية... اذا كان هناك شيء يستدعي الإصلاح فلن نتأخّر... ولن نقوم بأي عمل لا يحتمل النقد او الاصلاح..
٭ ولكن نحن في مجال الاعلام، نعاني من «تسونامي» لوبيات، التي تريد ان تسيطر على وسائل الاعلام، وهذا يمكن ان يضرّ بالثورة... لذلك هناك صرح ينادي بضرورة ان يضمّن في الدستور، ما يشير الى استقلال الاعلام، مثل القضاء وبقية السلط الأخرى، وهذا معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، هنا أسألك في الأمر بصفتك رجل قانون وليس بصفتك مسؤولا سياسيا؟
ـ (يضحك) أدعوكم ان تتصلوا بالمجلس التأسيسي لما يُنتخب ويباشر مهامه... وحده المجلس التأسيسي القادم هو من يتولى الأمر... لأنه هو المؤسسة المنتخبة التي ستحرّر وتنجز الدستور.. ومن جهتنا نقول ان كل شيء فيه مصلحة، هو أمر ممكن وجائز... ولكن تحقيقه يرجع الى من له صلاحية في اتمامه وانجازه... الدستور يتعهّد به المجلس التأسيسي القادم... أما نحن، فمن موقعنا لا نقدر ولا نستطيع، بل ولا يليق بنا أن نبدأ في تحديد مهام المجلس التأسيسي او ندخل على خط أعماله...
ولكن أؤكد لك، ان كل الأفكار الصالحة واردة...
٭ هل أقدمت أو أبرمت ـ بطريقة أو بأخرى ـ على اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل... وهل لك ان تكشف لنا ملابسات هذا الاتفاق إن وُجد... خاصة أن مثل هذا الاتفاق لم يجد بين الاتحاد والحكومة السابقة؟
ـ علاقاتي مع الجمعية هي علاقات مسؤولة... والاتحاد العام التونسي للشغل، هو منظمة عتيدة، ولم تتكوّن اليوم... وقد شاركت هذه المنظمة بقياداتها وبانجازاتها، في جميع مراحل بناء تونس... وقد ضحّت من أجل الاستقلال وكذلك فعلت في بناء الدولة العصرية وأظن ان المنظمة الشغيلة، ستواصل نفس العمل.. ومن جهتنا نحترم استقلال هذه المنظمة، لذلك فإن تأييدها لأعمال الحكومة يُعد شيئا مفيدا وضروريا في ظرف مثل هذا الذي يجب ان يجتمع حوله كل التونسيين، من طاقات وكفاءات والاتحاد العام التونسي للشغل لم يتأخر في مساندة الحكومة، لأنه سبق لنا وأن تشاورنا في الخطوط العريضة التي تنوي الحكومة اتّباعها.. دون الدخول في التفاصيل، لأن التفاصيل من أنظار الحكومة.. هناك اتفاق على التزام وطني لا أكثر ولا أقل (بين الحكومة والاتحاد).
وأنا فخور بأن هذه الحكومة تساندها كل القوى الحية في البلاد وفي المقدمة الاتحاد العام التونسي للشغل.. وهذه الحكومة لا تستغني عن أي رأي وعن أي سند.. لأنها ـ وببساطة ـ هي حكومة الجميع.
هل تعتقد، السيد الباجي قائد السبسي، أن هناك خطأ ما في تعيين هيئة الاصلاح السياسي وتحقيق أهداف الثورة.. فقد جاءت كل القراءات في هذه القائمة، لتشير الى أنه ليس هناك معايير في التعيين وأن ذلك تمّ دون استشارة، خلاصة القول هناك من يعلّق بأن هذه اللجنة جاء تعيينها على طريقة المقولة الآتية: «في مراضي الأحباب» أكثر منها وفق معايير الوفاق والاتفاق والتشاور؟
ـ هذه اللجنة هي مستقلّة عن الحكومة لذا ليس لي أن ألاحظ عل ما تفضّلت به.. الحكومة ليس لها دور في التعيين كما تعلمين ويعلم الجميع.. الوزير الأول يمضي فقط على القائمة.. هي لجنة لإبداء الرأي حول القانون الانتخابي ولا يمكن لكل من قدّم طلبا في الانضمام أن يقع إدراج اسمه.. وعندما يقال إنه لم تقع فيها الاستشارة، أقول ان هناك الاتحاد والأحزاب ممثلة في الهيئة.. حسب علمي، هناك تمثيلية واسعة..
هناك أحزاب وتيارات فاعلة في الثورة التونسية، منذ زمن الاستعمار، وهي على نفس التوجّه، وهي تيارات قومية ويسارية عرفت بنضالاتها وعرف مناضلوها السجون في عهدي بورقيبة وبن علي، وها أن لجنة مثل التي سألنا عنها، تضمّ في صفوفها تيارات تأسّست للتوّ..؟
ـ حسب علمي ليس لنا في «مرضاة الأحباب» أو في «الأحباب» باع.. كل من تتوفّر فيه المؤهلات ليكون في هذه الهيئة لا يمكن إقصاؤه.. لا يمكن أن نتصوّر أن توجد كل الشخصيات الوطنية صلب هذه الهيأة.
ولكن فيها الزوج وزوجته، والشقيق وشقيقته وطبعا هنا أنقل لك تعاليق الأطراف السياسية والمدنية، وليس نظرتي الفردية..؟ وقد سبق لتونس أن عرفت وضعا مزريا كانت فيه الحكومة بين أيدي الزوج والزوجة؟
ـ هذا مها أردت التعليق به، وُجد ذلك في الماضي.. ولكن اليوم، إذا كان كل من الزوجين كفء في مجاله، فلمَ لا؟.. المسألة مسألة كفاءة.. ونحن لا نقصي أحدا، مع هذا، وحسب علمي، هناك محاولة لتوسيع هذه الهيئة وأعضاء هذه اللجنة، حتى تستوعب أصنافا أخرى من التي لم تكن ممثلة بما فيه الكفاية.. وستكون فيها فعاليات سياسية أخرى.. ولكني أعتقد أن لا فائدة في التوسيع إذا لم نصل الى التوافق.. حتى نعمل.. إذ لا يخفى على أحد، أن هناك محاولات لإحباط عمل هذه اللجنة.. وسوف يكون من السذاجة أن لا نتفطّن الى هذا، بحيث أقول ان أحسن خدمة يمكن تقديمها الى اللجنة والى هذه البلاد هي العمل بالنداء القائل: اتركوها تقدّم وتتقدّم في مجال القانون الانتخابي حتى تفتح للأحزاب المجال، ويتمكّن الجميع من إعداد العدة لهذا الواجب الوطني الهام.
أنت رجل قانون وسياسي لا يشقّ له غبار، ولكن لو تسأل 11 مليونا تونسيا اليوم، حول مسألة «المحاسبة» لوجدت 11 مليون قراءة وتصوّر، فنحن أمام ضبابية تامة: من سيحاسب من؟ من الجلاّد ومن الضحيّة؟ وكأننا أمام سياسة يُساقُ بها من جديد، وأقصد سياسة «كبش الفداء» والكيل بمكيالين، ما الذي يحصل بالضبط، هل هناك أمور تتجاوزكم كسلطة الآن، هل قلتم للشعب التونسي ما يحدث فعلا حتى لا تعمّ الاشاعة وتعوّض المعلومة فتقوّض كل ما تفعله أو تنوي فعله الإرادات الطيبة؟
ـ أولا نحن أبعد النّاس عن سياسة «كبش الفداء».. لكن كل من اقترف عملا غير قانوني فإنه سيُحاسب على هذا.. ولا أحد فوق القانون.. ولكن هذا لا يعني أن نحشر كل الناس في نفس البوتقة.. فالمحاسبة تقع وفق الطرق القانونية.. والمحاكم هي التي تحاسب فقط.. والمحاكم مستقلّة، ونحن نعمل على احترام استقلال القضاء..
هذا الكلام صالح حتى مع لجنة تقصّي الحقائق؟
ـ نعم، والقضاء هو الذي يملك الكلمة الفصل والحكم والبتّ.. كلّ الملفات بين أيدي أيّ لجنة، القضاء هو الذي يتسلّمها بالمحصلة.. اللجان لا تحكم.. هي تستقرئ وتبحث وتهيّئ الملفات.. ملفّات تحال الى القضاء في النهاية.
سؤال من وحي اللحظة، ونحن الآن في القصبة مقرّ الحكومة، سمعنا، في ساحة القصبة إبّان الاعتصام أن هناك وثائق كثيرة أتلفت في المدة الأولى التي تلت 14 جانفي.. حقيقة، هل وجدتم هنا في الوزارة أو في القصر (قرطاج) أو في الوزارات ما يؤكد هذا الذي تداوله تونسيون؟
ـ ليس لي علم بهذا، في هذه الوزارة أو غيرها من الوزارات.. ولا القصر الرئاسي أيضا.. ولكن أعلمك أن المسؤولين في الوزارة الأولى مازالوا هم أنفسهم في الوزارة.. فنحن لم نقص أحدا.. ولكن إذا وجد من لديه معلومة موثوقة، حول هذا الشأن أو ما شابهه، فنحن سنأخذها بعين الاعتبار.
في أول كلمة لك للشعب التونسي، رفعت ضبابية وغشاوة عن الفعل السياسي الانتقالي حين قلت: الرئيس السابق أتى فعله «الخيانة العظمى»، فأين نحن من هذه الحقيقة؟ وما الذي فعلته حكومتك من أجل التمادي في هذا النهج؟ وإذا كانت هناك استحالة أو ضغوطات تمنعكم من التمادي في هذا النهج، لتصارحوا الشعب بها؟
ـ أولا أنا أبديت رأيي حسب علمي بالمسألة.. ولكن القضاء هو المتعهّد الآن بهذه المسائل.. ولما يتعهّد القضاء المسؤول لا بدّ أن يحترم ذلك لأنه قد يدخل البلبلة.. هو الآن موضوع تتبّعات خطيرة جدا لدى القضاء.. وما سيسفر عنه سنحترمه ولا نزايد على القضاء.. وحسب علمي فإن التتبعات والتهم الموجهة لـ(بن علي) لا تقلّ خطورة عمّا صرّحت به (الخيانة العظمى).
قائمة بالذين أذّوا تونس.. وقائمات تصدر هنا وهناك.. هل تعتقد أن المحاسبة الحقيقية يجب أن تتمّ بعد الانتخابات، حتى تكون أكثر مصداقية من أجهزة ومؤسسات منتخبة؟
ـ هناك قائمة صدرت حول مصادرة الأملاك للمتهمين بذلك.. ولكن فيها فصل ثان، يحمله المرسوم، إذ يطلب من كل من له علم أو أموال أن يصرّح بها.. وهناك أجل مضروب للقيام بذلك.. وكل من يجرّه البحث الى ذلك.
ولكن «سيد قائد السبسي» وأنت سيّد العارفين بمثل هذا الموضوع، القضية لا تقف عند حدّ: من أين لك هذا؟ بل تتخطّاها الى السؤال:
من سوّغ لك هذا؟ ومن مكّنك من هذا؟ ومن وقّع لك لكي تأخذ هذا؟ أليس كذلك؟
ـ تماما هذا صحيح.. وهذا معقول أن يتم البحث في من سوّغ لك هذا بعد السؤال: من أين لك هذا؟ يجب أن يقدّم الجميع، وكل من يظنّ أنه تضرّر يبقى حرّا بما يراه صالحا أمام الجهات المعنية أو ذات الاختصاص.
٭ أنا أقصد من سؤالي الشأن العام.. الملك العام.. وليس الأشخاص فقط.. ففي تونس تم الاستيلاء على المال العام والملك العام؟
ـ نعم، ذاك موضوع من المواضيع التي تثار..
٭ تعيينات المعتمدين فيها الكثير من الهنات.. فحزب الدستور مازال متغلغلا في هذه المناصب؟
ـ هذا غير صحيح..
لقد قمنا بما يجب القيام به لإصلاح الأمر.. والمعتمد يقع اختياره حسب ضوابط جديدة، على أساس أن لا يكون له التزام سياسي.. جاء هذا بعد جلسة بالوزارة.. فوقع إلغاء التمشي السابق..
٭ ولكن، وأنا أمامك الآن، في هذا الحوار، علمت أن مواطنين تنادوا في معتمدية روّاد، ليقولوا Dégage لمعتمد الجهة الذي هو في مكانه منذ 5 سنوات؟ هذا مثال تناهى إلى مسامعي كصحفية؟
ـ عوض أن يقولوا له ارحل «Dégage» من الأفضل أن يكاتبونا.. ونحن ننظر في كل المواضيع.. ونسمع كل الآراء.. يكاتبوننا أو يفعلوا نفس الأمر مع وزارة الداخلية.. نحن نسمع كل الآراء وكل الأخبار.. وكلّ من يريد التظلّم يكاتب الداخلية (الوزارة) والوزارات الأخرى.. أفضّل صيغة المكاتيب على التجمهر.. المفيد والمهم أن تصل الرسالة..
٭ في حلّ «التجمّع»: هناك رأي يقول إن عملية التسريع بحلّ «التجمع» لا تخدم سوى «التجمع».. فهذا الإعلان، مكّن العديدين (تجمعيون) من أن يتقدموا بطلب رخص لأحزاب.. وبدأنا نرى عوض «التجمع» «تجمّعات» ألم يكن من الأفضل، أن يقع حلّ هذا الحزب، بعد انتخاب المجلس التأسيسي، عندها سيكون الاقصاء شعبيا والقرار شرعيا أليس كذلك؟
ـ أولا هذا القرار وقع اتخاذه قبل أن آتي إلى الحكومة.. وأنا أخذت مبدأ أو سنة «التواصل» في العمل الحكومي.. كلّ ما وقع إقراره ليس لي تعليق عليه..
٭ اللّجان التي عينها سلفك السيد محمد الغنوشي، تبيّن أن جلّها كان من أفكار وبرامج بن علي قبيل الثورة.. ما قصّة هذه اللّجان، وهل تفكّر في البحث وإعادة النظر فيها أم تترك الأمر للشعب الكريم؟
ـ بالطبع اللجان لن يكون عملها إلى ما لا نهاية له.. فهي لها مهمات مؤقتة، بمجرد أن تنتهي مأموريتها تحلّ.. كل حسب مدلول لجنته.. ومنطوق النصّ المرتب والمسيّر لها.. هي ليست لجانا قارة..
لها إمكانية أن تخطئ وهذا وارد.. ولكن الأحكام في ما تفعل كلها عند القضاء.
٭ وفود متعاقبة على تونس بعد الثورة.. والحقيقة هناك «فوبيا» شعبية إن أردت، بخصوص زيارات المسؤولين الأمريكيين.. هناك خوف على الثورة من الأجنبي.. الذي نعرف أنه لا يرنو إلا إلى مصالحه؟ خاصة أن المعلومة لا تصل إلى الشعب حول هذه اللقاءات والزيارات؟
ـ أنا ـ بطبعي ـ لا أقبل التدخل الأجنبي في شؤوننا.. ولكن هذا لا يعني أننا لا نتعامل مع الآخر.. وكل من أتانا زائرا إلى بلدنا، كان هدفه الوقوف على هذه الثورة الفريدة من نوعها.. ثورة لها أبعاد عالمية وتأثيرها واضح.. وأغلبهم جاؤوا لتقديم إعانات للاجئين الذين يغادرون ليبيا في الظروف المعلومة، من جهة، ولتهنئة الشعب التونسي بهذه الثورة المجيدة والوقوف على أسبابها ومسبباتها وكيف وقعت؟ ولكن لا بدّ أن يتأكد الجميع أن لا تدخل أجنبيا في شؤوننا لأننا نرفض ذلك.. ثم لا يمكن أن نقول إنه بمجرد أن يزورنا مسؤول أجنبي أن نفهم بأن الحكومة تقبل التدخل الأجنبي.
كانت مناسبة لنعلم الجميع أن الثورة تيار جارف لجميع العالم الثالث.. فبعد فترة الاستعمار جاءت فترة التحرّر واستقلال الشعوب، والآن، فترة الديمقراطية بعد حكم الدكتاتورية.. كان الفخر لتونس، أنها هي السباقة وأعطت إشارة الانطلاق بنفس الطريقة التي أعطتها سابقا زمن التحرر الوطني...
تونس، تعطي اليوم إشارة الانطلاق للمدّ الديمقراطي والذي تراجعت أمامه كل الأنظمة السلطوية.
٭ في ليبيا بركان فيه متناقضان: ثورة شعب شرعية وهجوم عسكري خبرنا أسرار وأهداف القرار المسوّغ له من مجلس الأمن، كيف تتصرّف السياسة التونسية تجاه الملف؟
ـ سبق لي أن قلت بالنسبة إلينا، موضوع ليبيا هو شأن داخلي..
٭ داخلي لليبيا أم لتونس؟
ـ هو موضوع داخلي، يعني يهمنا في تونس.. هم اخوتنا وأجوارنا وعلاقاتنا عريقة مع الشعب الليبي، هي علاقات تعاون وتآزر، فلما نزل المعصار على الشعب الليبي من طرف الطليان، لجأ الثوار إلى تونس.. وبلادنا لا تخلو من حي للطرابلسية في أي جهة أو ولاية... نحن كذلك أغلب مناضلينا في الحركة الوطنية لجأوا إلى ليبيا ووجدوا فيها الملاذ الآمن لما نزل علينا المعصار، بفعل الاستعمار الفرنسي..
نحن نأسف، ونتألم مما يعانيه الشعب الليبي، الفترة الأخيرة سواء بفعل نظامه أو بفعل خارجي..
ونتمنى أن لا تدوم المحنة الليبية فيخرج الشعب الليبي منتصرا ومحافظا على وحدته.. وهو مهدّد بالانقسام.. ونحن نحافظ على الشعب الشقيق بما يضمن مزيد التضامن والتآزر.. ولما نلاحظ المدّ التضامني هذا، من التونسيين وقدوم عائلات ليبية شقيقة، فنحن نطمئن على هذه الروح الأخوية.. إلى أن يقضي اللّه أمرا كان مقضيا..
بقي قرار مجلس الأمن، هو ملزم للدول الأعضاء، ونحن من ضوابط سياستنا الخارجية أننا نحتكم إلى الشرعية الدولية.. التي وجدناها سندا في أطوار النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي.. في بنزرت (1962) وفي حمام الشط (1985) وساقية سيدي يوسف (1958).. لذا فإن مسألة القرار لنا تجاهها احترام.. وهذا لا يعني أن ليس هناك تجاوزات في التطبيق..
زيارتك للجزائر والمغرب يبدو أنها لم تكن متناغمة مع الايجابية وخاصة في الجزائر، بماذا تعلم الشعب التونسي حول هذين الزيارتين؟
ـ غير صحيح.. غير صحيح أن تكون زيارة الجزائر قد شابها أيّ فشل... بالعكس، فقد وقع استقبالنا بحرارة وبمستوى يفوق المستوى التقليدي... الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أكرم تونس إكراما خاصّا وخصّص لنا وقتا طويلا... وهذه العلاقات لا تشوبها شائبة.. بالعكس هي عزّزت أكثر ممّا مضى العلاقات بيننا.. ولا يسعنا هنا إلاّ أن نثني على ما وجدناه من حفاوة «والشيء من مأتاه لا يستغرب».
والجزائر منحت تونس مساعدة قيمتها 100 مليون دولار بطريقة ميسّرة ومن ضمنها قسم من الرقم هو هبة.. فعلت معنا الجزائر هذا الأمر دون أن نطلب...
أما في المغرب، فكان كالعادة سبّاقا لمساندة تونس وتهنئتها وعبّر عن تضامنه معنا... وحاولنا أن نتبادل التحية وكان قبولنا فوق المستوى المعتاد من الحفاوة...
هل لجيراننا الأشقاء أي تخوّفات من ثورة تونس؟
ـ هم أخذوا مبادرات... وقد هنّأنا الشعب المغربي بهذه الاصلاحات حيث كان الملك محمد السادس سبّاقا واستمع الى تطلعات شعبه واستجاب إليها... وأعتقد أنه بعد هذه الجولة، فإن العلاقات ستكون على أحسن ما يُرام...
كيف عشت الثورة، وهروب بن علي، وهل كنت بحكم معرفتك به، وعملك معه في فترة ما، تتصور أنه سيقدم يوما على ما أقدم عليه يوم 14 جانفي 2011؟
ـ بدون أن أتعمّق في هذا الأمر، سبق لي وأن قلت لكلّ من اتصل بي وأراد أن يأخذ رأيي في مجريات الأمور في تونس، قبل 14 جانفي بالطبع، وكيف يمكن الخروج من الوضع المأساوي الذي تردّت فيه البلاد وما وصلت إليه قلت لمن سألني: إن بن علي سيساعدكم على ذلك بهروبه من تونس.
وقد استغرب من استمع إلى رأيي هذا... وهل أنني أقول ذلك عن جدّ أم لا، فقلت أنا جدّي بطبعي... وهذا ما وقع بالفعل حيث كنت أتوقع له ذلك... وكل مراقب من قريب لتطوّرات الأحداث في البلاد لا بدّ وأن يرى الحلّ هكذا...
هو لم يرتق إلى أن يكون رجل دولة، أليس كذلك؟
ـ نعم، هو كذلك... فرجل الدولة تقوده مبادئ وأفكار... قد تختلف معه... لكن له أفكار تجعله يستمرّ على رأس الدولة... أو يتنحّى... لكن الذي حدث مع بن علي، أنه عمل بغير تلك الطريقة وعمل بطريقة استغلال النفوذ... هذه نقطة الضعف... والذي لا مبادئ له... يهرب... ويفرّ...
هذا سؤال من وحي حديث الشارع... من مخيال الشعب، وهو مجال فيه الكثير من الحديث، والقصص ولا أدّعي أنني أضع هذا السؤال بشقه السياسي وهو يقول: إن نظام الحكم الذي انتقل من المنستير الى سوسة (وهما الساحل)، هاهو اليوم مؤقتا بين أيدي «البلدية» تونس العاصمة وتحديدا المرسى، وسوف تعيدونه «كبلدية» إلى أبناء الساحل... كيف تنظر إلى هذا التوصيف؟
ـ أنا لم آت الى الوزارة لأنني مولود في سيدي بوسعيد.. كل له ماضيه... أنا أؤمن بالمقولة الآتية: «لو دامت لغيرك لما آلت لك»، وإنني قبلت هذه المسؤولية من أجل الوطن، واتكاء على المبادئ... أريد أن أعود الى منزلي بأسرع ما يمكن.. فهذه مسؤولية... وأنا لم أتغيّر في نبذي للجهويات... وهذا معروف عني... ومعروف لدى الجميع... فهذه أكبر مصيبة، ونقطة ضعف في العزيمة... نحن بنينا وطنا وكل الناس فيه سواسي وكلهم في خدمته وكل من توفرت فيه الكفاءة، هو الأجدر...
لا فرق عندي بين الساحل أو صفاقس أو قابس أو تونس... وكل التونسيين قدّموا التضحيات من أجل استقلال تونس والآن نفس الشيء...
إذن عندي نصيحة في هذا الباب، أن يرفعوا (المتجادلون) المستوى وأن ينظروا من أوسع باب... وأن يفتحوا النوافذ عوض النظر من «خُرم» الجهويّة... لأن تونس في حاجة إلى كل أبنائها ولا يوجد من هو صالح لكل زمان وكل مكان...
ماذا يقول الباجي قائد السبسي للشعب التونسي عبر «الشروق» وهو بسوسة لفترة مؤقتة في توقيت عصيب؟
ـ أقول له: لتكن لك ثقة في المستقبل، فالبارحة لن يعود أبدا. وإن شاء اللّه سنكون في مستوى الآمال والتطلعات التي عبرت عنها في ثورتك على الفساد والظلم والاستبداد.
في كتابي، أشرت بتلميح الى موقف اتخذه أحد المؤرّخين المستشرقين حين قال: لمّا تسأل التاريخ في قرون عدّة، الفرج لا يأتي إلى تونس إلاّ من الخارج... ولم يأت تونسي من الصميم التونسي لينقذ تونس بلاده...
أجبته في كتابي: الشعب التونسي أقام الحجّة على أنه تخلص من الاستعمار وبنى دولة ذات سيادة منيعة، والذين بنوا الدولة هم أبناء تونس بقيادات تونسية...
وهذا البناء لا يزال شامخا... الى اليوم... وبعد نصف قرن... وسيبقى هذا المبدأ طالما تحلّى أبناء هذا الشعب بالقيم وتمسّكوا بها...
ستبقى تونس إن شاء اللّه... تونس الدولة وعلمها مرفوع بين الأمم... و«كذب المنجمّون ولو صدقوا»...